الأحد، 4 مايو 2014

رسالة إلى فاطمة الزهراء أحمد



نقرأ كثيرا عن الأمل..عن الأشياء الجميلة..نسمع عنها..وأحيانا تأتينا إشارات توحي لنا بأن كل ما قرأناه وسمعناه عن الأمل..وعن الأشياء الجميلة..هو حقيقة تختبئ بين ركام الحياة..لكن ذلك لا يكفي يا صديقتي..يا فاطمة !
البشاعة التي نتعرض لها عظيمة..تفوق أي خيال..وقد تدفعنا دفعا مريرا لإعادة النظر في سرعة اندفاعنا نحو الأمل..لنتساءل: هل علينا أن نخفف من جرعاته التي نتعاطاها بنهم يسابق نهم البشاعة التي تقتات على أفئدتنا ؟
فاطمة..صديقتي الجميلة..التي تعرف كيف تنسج من الوجع حكايات يتبدى فيها جمال لا أنتبه لوجوده لولا حرفك الشفيف، أخبريني بربك ماذا يحدث لقلب أم أرسلت ابنها صباحا إلى مدرسته، بعد أن أفطر بشرائح “عنجيرو” شهية طبختها له..لتسمع في الظهر نبأ تطاير جسده الغضّ في انفجار لعين على قارعة طريق عودته إلى حضن أمه ؟ هي لن تجد سوى رأسه المهشمة..وبعض أطراف مقطعة..وربما فردة حذاء محروقة..وبقايا حقيبته المدرسية ! أي قصيدة أمل تداوي قلبها المكلوم يا فاطمة ؟
أخبريني كيف تنسى فتاة حبيبها الذي رحل ولن يعود..لأن رصاصة غادرة أو انفجارا ملعونا أسكته إلى الأبد..أو لأنه كان كصديقك المجاهد يخوض حربا ليست حربه..؟ هي لم تكتب له الرسالة الأخيرة..وربما لم تقل له “أحبك” في آخر لقاء لأنها تشاجرت معه على أمر تافه ككل العشاق..وهو لم يمسك يدها في آخر مرة التقيا فيها ليترك بصمة ما على أصابعها..كيف ستنساه؟
سيطاردها ظله حتى لو اقترنت برجل آخر وأنجبت له عشرا..أي عذاب ذاك العذاب يا عزيزتي ؟
وماذا عن مسنّ فقد ابنا له في عرض البحار البعيدة..وهو يبحث عن لقمة عيش وشئ من الكرامة؟
سيشعر بمرارة قاتلة حين يتذكر قطعة أرض باعها من أجل ابنه..وهو لا يعلم حينها أنه أهداه تذكرة موت فرارا من موت بطئ أو سريع هناك في الوطن..وستراوده الهواجس في الليالي المعتمة أنه من دفع ابنه لهذا المصير..وحين يستعيذ بالله من تلك الهواجس اللعينة..سيزوره ابنه في المنام ليخبره أنه بخير..وأنه ارتاح من وجع الحياة ! وسيحزن الأب المسنّ أكثر يا فاطمة..
ليس من حقنا الاعتراض على الموت..هو مصير ينتظرنا جميعا لنعبر لحياة أخرى..لكن من حقنا أن نعترض على البؤس الذي يلاحقنا..من حقنا أن نتسائل: لماذا ؟! ومن حقنا..ونحن نبحث عن الإجابات..أن نتمرن على السير في الطرقات التي لا يختبئ في جانبيها قناص اليأس..
هل فهمتِ ما أعنيه يا فاطمة؟
أنا لا أدعو أبدا للتمرد على الأمل..لكنني منهك جدا..وأحتاج أن أتعلم تهجئة الأمل من جديد..حتى لا تضيع مني معالمه وتتنكر له روحي في خضمّ تعبي الشديد..ولذلك أكتب إليك هذه الرسالة..
أريد أن أعرف كيف لرجل شديد الحساسية إزاء القبح والجمال أن يقاوم هشاشته..وأن يظل واقفا على قدميه..مقاوما تلك السهام التي تصوب إلى روحه كل لحظة لتغتالها وتغتال ما بداخلها من أمل..؟
أخشى أن أستيقظ يوما فلا أفرق بين الألوان، ولا أطرب لأغنية عشق، وأفقد الرغبة في الكتابة والصراخ بالقلم، ولا أبكي في حضرة وجع إنساني حتى لو لم أكن أعرف صاحبه، ولا أملك القدرة على السخرية من أوجاع الحياة، ولا أبالي هل الغد سيكون أجمل أم لا..إنني يا صديقتي أخشى أن أصير المسخ الذي أمقته..لأن الأوجاع تفجر وتفسق في البقعة التي تخصنا من هذا الكوكب..وإنني بشر..ومن حقي أن أخاف من التقهقر !
تكلمي يا فاطمة..فأنا أنصت إليك..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق