الأحد، 4 مايو 2014

 الهواجس… صمت القلق


ذلك المساء كان الجو هادئا ومريحا..بفعل نسمة هواء عليلة تمر علينا.. لم يكن في حينا “ياقشيد” إلا القليل من الأهالي.. بعدما نزح الكل من طلقات رصاص، فارين من لعبة ليس لأحدهم دور في وضع قواعدها..وكانت الحركة التي أسمت نفسها بالشباب المجاهدين تستولي على المكان.
كنت أجلس أنا وبعض الشباب من أقربائي في فناء دارنا، نتبادل الأحاديث التافهة والهامة والعبثية، ونتضاحك من وقت لآخر، وما أن ننتهي الضحكات المصطنعة حتى تبدو معالم وجوهنا المحزنة بشدة، تلك الوجوه التي طالما كانت باسمة مشرقة..

كان كل منا ينتظر أن يفتح الآخر الموضوع، والنقاش حول السياسة والأحزاب والحرب..كل واحد منا لم يكن يريد البدء.. وكلنا كنا نترقب… لكن أحدنا لم يبادر حتى انفجر الحديث فجأة..ولا أذكر أيا منا أشعل الفتيل..
لكني أذكر أن أحد أقربائي والذي كان منتمياً للحركة المتأسلمة راح يكيل لي تهم الانتماء والدفاع عن الحكومة التي من وجهة نظره ليست سوى مجموعة من الكفرة والمرتدين، وكنت أنا وخالتي الصغيرة، نقف موقف الدفاع عن أنفسنا لأننا لسنا من حركته..
هو يعمل في أحد الأجهزة العسكرية لهذه الحركة..وأخوه الأكبر كان ينتمي حينذاك للحزب الإسلامي والذى لم يعد موجودا الآن، أما أنا فتهمتي هي تأييد الحكومة..ودليل تورطي هو عدم تقبلي لبعض التفاهات التي لا يقبلها حتى الطفل؛ كتكفيرهم للمسلمين، مع العلم أنني أيضا كنت متهمة من جهات أخرى بأنني مع هذه الحركة حينما أعارض ما يعمله جنود الحكومة من فساد وظلم ونهب!
المهم، المكان الهادئ اشتعل فجأة..وبعد أن كنا نتبادل الحديث أصبحنا نتبادل الإتهامات، كنت أشعر بالإهانة كلما خاطبني قريبي بضمير المخاطب “أنتم” ولم يكن هذا لأني أعتبر الحكومة حثالة لا تستحق التأييد، ولا لأني أعتبر حركة المجاهدين رجسا من عمل الشيطان، ولكن لأني أعتبر نفسي كياناً مستقلاً، أرفض أن أغيّب عقلي، ودائماً أبقي نفسي في منطقة الحياد لأرى الأمور بشكل أوضح..

رأيت مقديشو كلها تجلس في ذاك الفناء، هناك نتكلم عن التفاصيل ونتشاجر على التوافه، ورأيتنا محاصرين بهواجسنا ومشلولين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق