الخميس، 27 نوفمبر 2014

الشمس تغرب لكن غداً تشرق من جديد!!


إنه ذاك الأمل الذي عشنا به في مدينة مقديشو مثلما الشمس تغرب وترى حمرها الداكن لكن تشرق نفسها من جديد غداً.


هذه الكلمات لصديقتي زهراء والتي كانت من المتحدثين أمس في برنامج TEDxMogadishu.
  
هذا البرنامج يهتم بالحديث عن الإيجابية والأمل الذي تعيشه مقديشو الآن بعد سنوات من الحروب والدمار.

عن نفسي عندما أتحدث عن الأمل أراه كثيراً في أيامي القديمة فمثلاً لم أنسي ذاك الليل حين إستيقظتُ من نومي بضجيج رصاص قوية والشيء الوحيد الذي تذكرت أن أفعله عندما هدأت الأمور كان جلوسي خارجاً لأشم الهواء المريح وأتأمل النجوم المضيئة، وفي الصباح باكراً ذهبت إلى السوق ورأيت إمرأة تبيع الخضار جانب الطريق، رفعت رأسها وفي وجهها إبتسامة مشرقة وكأنها تقول الأمر ليس بهذا السوء وليس بهذه الصعوبة، ساستمر رغم كل شيء ورغم كل ما حدث البارحة.

ليست ليلة واحدة بل كان هناك الكثير من الليالي التي كنت أسمع فيها الرصاص وفي الصباح أيضاً كنت أسمع صوت ذاك العجوز بائع الخبز "من يشتري خبزا، فطور جاهز من يشتريه مني" ويتجول في حينا بدون ملل، كان هو يجعل مشهد الشروق جميلاً في عيني ويدفعني لمزيد من الحياة رغم زخات الرصاص في الليالي.

لم أستطع أن أنسي عندما كنت أتجهز لدخول إمتحان التخرج من المدرسة الثانوية وبدأ ذاك اليوم قتال شديد إستمر لعدة أسابيع، هرب الجميع من المدينة وهربت أنا أيضاً وأخذتُ معي كل الكتب، كان الجميع يندهش كل ما يرى ويسألني أنت الآن تنزحين لمكان بعيد فإلى أين ستذهبين مع كتبك؟
لم أكن أبالى وكان همي الوحيد أن أتخرج وأدخل الجامعة، تعودت أن أستيقظ كل الصباحات بأمل جديد بأمنية وحيدة جعلتني أذاكر جيداً كأن كل الأمور كما هي أو كأني أدخل الأمتحان غداً.
إنه ذاك الأمل الذي عشنا به في مدينة مقديشو مثلما الشمس تغرب وترى حمرها الداكن لكن غدا تشرق نفسها من جديد.

قبل سنوات لم يكن الأمر كما الآن فقد تعودنا أن تبدأ المعركة في أية لحظة داخل المدينة بين قبيلتين أو بين جهتين أو لأي سبب كان أو لأتفه الأسباب أيضا، دائما أشكر الله أني أعيش هذه اللحظات الهادئة قليلاً في مقديشو وعندما أسمع إنفجاراً ما أو رصاصة أقول لنفسي قد عشت أكثر من هذا وإنها الحقيقة.

بدأ الناس أن يفهمو معني المرح حيث يمكن أن لا ترى مكاناً لقدميك في شاطئ ليدو يوم الجمعة لكثرة زوارها، قد تستطيع أن تقرأ من وجوههم أنهم الآن إستوعبوا المعني وبدأو أيضا أن يبنوا المدينة ويبنوا فنادق كثيرة.

هذا الصباح مثلاً عندما كنت ذاهبة إلى العمل رأيت إسماً لفندق جديد وقلت بمرح للسائق الآن أصبحت مقديشو كلها فنادق وأجاب بإبتسامة عظيم وهذا أحسن لنا وللمدينة حقا.

أتمني أن يستمر هذا الوضع الأجمل من السابق وأتمني أن لا نعود إلى ذاك الماضي الكئيب الذي كلما تذكرته لا أصدق أنني أنا التي عاشت تلك الأيام.

 إستمتعوا بصور للصديقة زهراء قرني......







الخميس، 6 نوفمبر 2014

طريق اللاعودة



البارحة كان يتأمل النجوم وبعدها سمع  صوت رصاصاتٍ متتالية وأخرى كبيرة، ولفرط ما سمعها كلّ يوم  لا يخفت صوتها أبداً في ذاكرته، تذهب وتأتي مع الهواء الثقيل، يغني ويقول لنفسه بأن الصوت ينعس لكنه لا ينام أبداً.
لعن تلك الرصاصة في سره، كان يدرك تماماً أنهم سيفعلون ذلك كلّ ليلة وأنه ليس بوسعه أن يلعنهم هم، في الحقيقة كان يفكر بأن يدعو لهم بالهداية.
عادت به الذكريات إلى الوراء قبل أن يسقط حكم النظام "سياد بري" بأيدى الثائرين، كان لم يبلغ العاشرة من عمره حين سمع " ارحل يا سياد أيها الذئب ارحل من حمر" وحمر هو الاسم الآخر لمقديشو العاصمة.
الجميع كان يردد "ارحل ارحل "وكأنّ المدينة ستتحول إلى جنة عقب رحيله أو كأن الملائكة ستزورها من السماء، هو أيضاً كان ممتلئًآ بالحكايات التي لم تحدث بعد، تخيلَ كلّ الأشياء الجميلة، المدرسة الجديدة التي سيدخلها، البيت الجديد الذى سيسكنونه بعد انتهاء الثورة، وحتى القطرة الأولى من مطر الصباح والشجر الذى سيكون أمام البيت.
وما الجدوى من ثورة تقودها الحركات المسلحة والتي لم ترسم أي خطة لحكم البلاد بل بدأوا القتال جميعهم ضد جميعهم؟، قتال لم ننتهي منه حتى الآن، وهكذا بدأنا المشي في طريق اللاعودة وبعدها تعالت أجراس الندم  من الجميع.
وهو من بعدها لم تبدّد عتمة روحه أنوار المصباح الذى يكون بجانبه كلّ ليلة، ولا حتى ضياء البدر الذى يأتي من السماوات. من بعدها لم يستطع أن يلاحق أحلامه، ومن بعدها لم يحب البدايات المعلقة التي لا تنتهي أبداً والتي تكون بداياتٍ يلهث الجميع وراءها وفي الواقع لن تكون سوى بداية خيبة كبرى للوطن، بدايات جنون وبدايات أشياء لم يتوقّع أنها يوماً ستبدأ.
كان حلمه أن يكون صحفياً لكن ليس صعباً أن تصبح ذلك بل الأصعب أن تحمل هذا الاسم لوقت طويل، والذي تأتيه رسائل ومكالمات تهديد بقتله كلّ يوم، هناك من تعوّد قتل الصحفيين وليس من البعيد أن يجيء دوره إذاً.

يموت مرات قبل أن يموت في النهاية، وكلما خرج يمشي بحذر وسط الناس، عاد من طريقٍ غير الذي ذهب منه. يشيح بعينيه عن كلّ هذا التعب الذي يجلده، يركض في الطّريق الطّويل ويتوقف كلّ ساعة وينظر حواليه، هذه المدينة تغتال جزءًا منه كلّ يوم وهو لا يملك سوى الابتسام، يوقد الروح بالحكايا وضحك صديقه الذي يحمل معه اسم الصحفيّ.
ذات يوم كانا يمشيان معاً ويتحدثان لكن رائحة الموت قريبة منهما، فجأة رأى جسد صديقه يرتطم بالأرض وسمع بعدها شهقة موته، إذ أصابه أحدهم برصاصتين في رأسه.
من يدري ربما كان يريد أن تصيبه إحدى الرصاصات إلا أنه نجا، وما زالت كوابيس تلك الحادثة تراوده إذ ليس من السهل أن يمحو من قلبه من تعود وجوده في كلّ الأشياء حوله وينسى الألم العميق ذلك أنه لن يراه بعد الآن.

في وطنه ذاك، عرف أن الوطن ليس أرضاً وسماءً فقط  بل هو شيءٌ آخر جميل، هو أن يعيش باستقرار وحريّة وحب وكرامة تحت سمائه، هو أن لا يموت مراتٍ من الخوف قبل أن يقتلوه ظلماً فيه.