الأحد، 13 مارس 2016

أنا إمرأة!!



في السوق وتحت الشمس الحارقة أحدق على نساء يبعن المجوهر ات والأقمشة، والملابس الجديدة والمستعملة، والأدوات المنزلية والخضروات واللحوم والوقود والقات، كلهن يمثلن حكاية نساء إفريقيات مناضلات مكافحات منكهات من الحرب، تلك الحرب التي أخذن منها النصيب الأكبر من الحداد والخوف والحزن..
وقفت عند بائعة الثياب أشتري بعضاً منها..
 أسأل: هل تطنين أن كل هذا سينتهي قريباً؟
 تجاوب: لا أدري لكني لن أقف حتي النهاية.. في أسوأ الأحوال كنت الآن في مقبرة لكن أومن لأن الله ابقاني على قيد الحياة في مدينة الأشواك هذه يريدني أن أفعل شيئا وأن هذا الشيء له علاقة بحياة الكفاح من اجل أطفالي والبحث عن لقمة عيش لأجلهم بعد موت زوجي في إحدى المواجهات القبلية..
 أنا هنا لأعيل أسرتي ببيع الثياب  وقد لا أجد بعض الاحيان المال عندما لا يشتري احد طيلة اليوم ولا أعرف كيف اعود للبيت وانا لا أحمل قوتا لأطفالي!!
أتعلمين أنا لست متعلمة لأعمل في مكان أكثر ودا من هذا المكان.. في مكان لا تحرقني فيه أشعة الشمس الغاضبة..
  أنا إمرأة تقوم بتربية اطفالها السبعة بمفردها.. تعتقد أن الحب له أنواع وأنها لم تنل منه سوى في الرصاص التي تسمعها بإستمرار.
                                                             ****         
في الصباح أركض لمحظة الباص لكنه تأخر في غير عادته.. بائعة الشاي تسكب رائحة شهية قرب أنفي.. تجلس هناك مبكرا وطول اليوم.. ذات يوم أخبرتني أنها كانت تعيش في البادية قبل أن تتزوج من رجل المدينة..
قالت: كنت أساعد أمي في البيت والحقل واسعي لجلب الماء من الآبار البعيدة في رحلة شاقة.. اجمع الحطب والأشواك من الغاب لأصنع منه الفحم، أذهب لبيع الحليب في القرى النائية.. أما الآن لم أسترح أيضا فزوجي تزوج للمرة الثانية ولا أدري إن كانت هناك ثالثة أو رابعة لكن لا أستبعد.. أعمل هنا طيلة اليوم وبنتي الكبيرة تغسل الملابس للجيران، نتساعد حتي نوفر لقمة العيش لأطفالي العشرة..
أنا إمرأة تعتقد أن الحب له أنواع لكن لم تنل منه سوى في قوله " إستمري بالإنجاب فإنهم يجلبون الأرزاق معهم".
                                                               ****
أمام المخيم واقفة وتجاعيد وجهها سطور تقص عليك قصص حياتها..
 تلك التي بصقت الحياة على قلبها تهرول لأي مكان لتثأر من الجوع الذي قتل خمسة من أطفالها وحكم عليهم بالإجرام بلا ذنب، تساقطوا أمام عينيها ودفنت بيديها في طريقها إلى المخيم.. تبكي والبكاء لن ينسيها أي شيء..تقول بالأخير:
أنا إمرأة تعتقد أن الحب له أنواع لكن لم تنل منه سوى في الثأر من الجوع الذي يجبرها أن تقوم وتذهب لتنقذ ما بقي لها من أطفال.
                                                               ****
ذهبت وأنا أفكر بتلك الأم بالأخت بالبائعة بالزوجة قلت سرا:
ياااااه لو أن الطريق يترفق بها.. لا تعرف أن اليوم عيد المرأة  ولا تكترث إن عرفت لكنها تعرف بشكل أكيد أنها بحاجة إلى عيد صغير كل يوم..
عيد يجعلها تغمض عينيها بسلام دون خوف من الرصاص أو من فقد لقمة عيش..
عيد يجلب لها أحدا يقول لها "شكرا لجهادك من أجلي يا أمي، شكرا لجهادك من أجل أطفالنا يا زوجتي، شكرا لجهادك من أجلي يا أختي"
عيد يجعلها تنسي كل حكاياتها الملونة بالرماد فقط ويجلب لها حكايات حمراء/ زرقاء وكل ألوان قزح!!


الخميس، 25 يونيو 2015

رمضان!!!




لماذا الخوف ، و الشمس لا تظلم في ناحية إلا و تضيء في ناحية أخرى؟
نورمان كازنس

منذ أن كنت أعيش في مقديشو وإلى الآن أردد على نفسي "الغذ أفضل ويحصل في الغد الكثير من الأشياء الجميلة" لقد شكلت هذه الكلمات الطريقة التي أرى بها بزوغ الفجر وأبدأ يوم جديد في كل صباح.
رمضان شهر الخير والرحمة والغفران.. يهنئ الجميع لبعضهم  ويتمنون أن يبارك لهم الله هذا الشهر ويعطيهم الأمن.

في الإفطار تلتف العائلة حول مائدة أعددناها بإتقان وبعدما أنهي أعمالي المنزلية أستعد لأذهب صلاة التراويح مع فتيات الحي.



هذا الصباح قبل أن أخرج من البيت كنت جالسة أتحدث مع الماما وسمعنا إنفجاراً قوياً ونظرنا إلى بعضنا وبادرت هي تدعو الله أن يحفظنا...
خرجت نحو محطة الباصات إنتظرت هناك قليلاً وبعد أن وصل ركبت المقعد الأمامي وبعد صمت سمعت حديث رجلين:
- هل سمعت الإنفجار اليوم؟!
- نعم كان قوياً لدرجة يسبب الصمم في أذنيك.
-آآآه.. يرى البعض أن الصمم في هذه المدينة نعمة، لأنك حينها لن تستطيع أن تسمع رصاصاً أو إنفجاراً.
- أين وقع الإنفجار، هل هناك إصابات؟
- إن كنت حي فأمشي في طريقك دون سؤال.
- حسنا لن أسأل، لكن الغريب في رمضان أن هناك من يعتبر الإنفجارت مباركة، ويريد أن يتقرب بها إلى الله بمناسبة الشهر الفضيل.
- يا لهذه الإنفجارات المباركة، إن هذه المدينة يمكن أن تقضي عليك في أي وقت.


كنت أقول سراً أن البعض يعتقد أنها يمكن أن تقضي عليك في أي وقت لكن بالنسبة لي لا زلت أقدر لحظات الأمل التي تنتابني كل يوم وأنا أعيش فيها، هذا الأمل هو الذي يبقيني على قيد الحياة ويعطيني القوة لأكافح ضد الأيام السيئة المتشابهة، مقديشو هي من المصابيح القليلة التي لا تزال تنير طريقي.




السبت، 20 يونيو 2015

شهراويللو!!






الحرب لا تحدد من هو صاحب الحق، وإنما تحدد من تبقى!!
بيرتراند راسل


عندما كانت طفلة لم تكن تعرف عن الحروب شيئا وكل ما كانت تسمعه هي شعارات عن السلام والسعادة مثل سنجد السلام سنسمع الملائكة سنري السماء تتلألأ بالجواهر.

كانت تحب أن تذهب كل يوم في وقت المساء إلى الشاطئ الذي تسكن بجواره وهي تمشي بخطوات بطيئة إلي أن تستقر رجلاها الصغيرتان بمياه الأمواج التي تنكسر رويداً على الشاطئ ثم تبدأ باللعب على رماله البيضاء.
قبل أن تبدأ الحروب بشدة كانت تسمع طلقات الرصاص وترى أولى تباشير الفوضي التي بدأت في مقديشو وكان أبوها  يقول لها أن الحرب تبدأ من التمرد والتمرد يبدأ عندما تصبح رغبات العديد موجهة عبر أفعال شخص واحد حتي يسحقوا وجوده، الحرب هي عندما يصبح منظر الغروب لا يذكرك سوى بالدماء، الحرب هي عندما يصبح الجمال بشعاً والعكس، هي اللاقانون والفوضي وهي العيش بقانون الغاب .

كانت عائلتها من آلاف العائلات التي جرت لها المصائب من وراء هذه الحروب، حيث قتل أبوها وأصبح ذلك كابوسا من أسوأ كوابيسها..يراودها مستحضرة صوت تلك الرصاصة ولحظات القلق في ذلك الوقت وهي تردد " الحرب لا تحدد من هو صاحب الحق، وإنما تحدد من تبقى".

الاثنين، 16 فبراير 2015

صباح مقديشو



البارحة ومن نومي أيقطني صوت جبار، نهضت عن السرير بعيون نصف نائمة وفتحت 

النافذة، رأيت تجمعاً كبيراً لأهالي الحي وأمي أيضا جالسة هناك معهم خرجت مسرعة 

لأري الحدث السبب أن بنت جارتنا الصغيرة/الجميلة ضاعت ولم تعد للبيت منذ وقت 

والكل كان يواسي الأم ويساعدها حتي لاقوها.. 


علمتُ حينها أن المأساة تُطهر أفضل ما في المرء كما تُطهر أسوأ ما عنده، أخيراً تفرق 

الجميع وعم السكون خارجاً وأختفت الحركة لكن أصواتهم لا تخفت أبداً في ذاكرتي. 



في الصباح لم أستطع أن أصحو باكراً كالعادة، ركضت إلى الباص ممسكة يداً بحقيبتي 

الكبيرة وفي يدي اليسري الهاتف أخبر السائق أني إقتربتُ جداً إلى المحطة كي 

ينتظرني، ركبتُ المقعد الأول ومر أكثر من عام وأنا أجلس المكان نفسه وأنظر إلى 

مقديشو المدينة وكأنها جديدة عليّ كل حين، أنظر إلى شوارعها المزدحمة بالمرور 

صباحاً ووقت المساء.. أنظر إلى البقالات جانب الطرق وإلى حركة الناس أحياناً.. ألتقط 

لها بعض الصور كهذا الصباح مثلاً..

فجأة إنتبهت بصوت قوي لأحد الركاب كان يتحدث عن السياسة ويتجادل مع آخرين 

نسيتُ أن أخبركم بأن هذا يحدث كل صباح، الطريف أن لغتي في السياسة إزدادت ثراء 

هذه الأيام تعلمت ألفاطاً جديدة وسمعت قصصاً غريبة، تردَدت في مسامعي كلمة 

"موشن" مثلا، وخلاف الرئيس ورئيس الوزراء وقبول البرلمان للوزراء الجدد من 

أشهر القصص التي تروي في الباص، أحياناً أشعر أنهم سيتقاتلون حقاً إن لم يصل ا

لباص مكان العمل لوقت أقرب وحيناً أخري أقول لبيني وبيني بأنه سينتهي هذا الكابوس 

يوماً لامحالة.

في المساء أعود بقليلٍ من الأمل وقليلٍ من النور أغني أناشيد الحب في لحظتها بينما 

يبتسم لي القمر من بعيد، أنتظر صوت ذاك الرفيق الجميل ذا الوجه البشوش.

الخميس، 11 ديسمبر 2014

عن الحب الذي لا يفني للأرض!!!


قالت:

- الأصدقاء يموتون دائماً في منتصف الطريق يخبروننا جراحاتنا وحكاياتنا الصغيرة التي خبأناها في مكان ما، لا أتحدث عنك، أثرثر عن الأصدقاء عندما كانوا ضياءً ينثرون أغاني الحياة حولنا.
رد بابتسامة:
- فهمتك، وأنا أتذكرك وككل الأشياء الجميلة لم أنسي وجهك البشوش وأيامنا القديمة، أخبرني بعد كل هذا الغياب ما لذي حدث بعدي؟
- لا تسألني عن الذي حدث بعدك، حقيبتي مملوءة بأسئلة دون أجوبة.
- وماذا عن مقديشو، عشتِ فيها أيام حرب طويلة ولم تخرجي منها، ماذا كرهتِ فيها؟
- لا تسألني أيضاً مالذي كرهت، قل ماذا أحببت في ظل هذه الحروب والدمار، نعم أحببت الكثير كان الدم يتدفق إلى قلبي بصورة مختلفة تماماً، وأحببت نفسي كثيراً وقبل أن أغفو كل ليلة كنت أقول "غدا أجمل ويحصل في الغد كثيراً من الأشياء الجميلة".
كان هذا حديثاً بين صديقين وكان المساء ساحراً بالنسبة لحليمة التي تحدثت مع صديق لها من أيام المدرسة ولم تلتق به منذ أمد ليس بالقصير.
هذا الصديق هرب إلى خارج الوطن عندما سقطت الحكومة ودخل البلاد حروب لا نهائية منذ عقدين وهاهو اليوم عاد ليزور موطنه ولم يكن يعرف كيف ينتمي ولا كيف يكون جزءاً من آخرين يحملون نفس ملامحه وروحه تباعدت عنهم لكن حليمة قررت أن تساعده وذهبت به في رحلة إلى المدينة الخضراء ليري الجمال هناك والمزارع والنهر الذهبي والسماء الزرقاء وكل مراسيمها الملونة التي لا تتبدل أبداً.


*******


بدأتْ الرحلة وبدأ هو يراقب الجميع من النافذة طول الطريق وحليمة تشرح له كل ما يسأل وتخبره أسماء القرى الصغيرة التي يمرون بها.
كان الترحيب حاراً عندما وصلا وأقرباء حليمة جهزوا كل شيء ولم يكن هناك ما يضاهي ضيافة في مكان كذاك...
في وقت قليل هاهو يصبح صديقاً مع الشباب هناك،كانوا برفقته إلى كل مكان… إلى تلك المزرعة والبئر وحتي القرى المجاورة.


*******

قد يكون الجو أكثر من رائع صباح ليلة ماطرة.. حليمة وصديقها ذهبا بعيداً ليمشيا أميالاً بين المزارع وبدأ هو الحديث:
- حقا شيء مدهش، لم أبق هنا سوي يومين والكل يعرفني في هذه القرية وأصبح صديقي أيضا، كأني كنت هنا منذ وقت طويل، حدثيني عن هذا المكان أكثر يا حليمة.....
- لا تندهش فأرضي مثل العناق الجميل يا عزيزي وكلما حاولتَ أن تبتعد كلما أصبحتْ قريباً وتسرق منك قلبك، أتعرف لمَ؟ لأن الحب هو أهم شيء فيها.
أترى غناء هذا الطير ربما يدعو أحدهم ليخبره رسالة محبوبته التي ستصل، وفي كل خطوة تولد قصة حب جديدة، لأن الحب هو أهم شيء فيها.
لمْ أخبرك أيضا أن لغة هذه الأرض تحوي أفضل المرادفات والألوان، ومناخها يغني الأخضر دائما، لمْ أخبرك عن سماءها الزرقاء، فصولها البهيجة، نهرها الذهبي، ومحيطها الأخضر، عن الشمس ووشاحها الأصفر وأزهارها التي تغطي الأرض الخجولة، عن الألوان في الوشاح،عن ألوان في التلال..
ألوانها الباهرة يخبرك أن الحب هو أهم شيء فيها.
- هذه الأمسيات مألوفة في مخيلتي كما هذه الأوقات من الصباح، هذا الربيع الدائم وغناء تلك الطيور الودودة والنهر الذي هناك، إنها كالأمور التي حدثتني عنه مذكرات أمي يا حليمة.


*******


في الليالي السمراء.. وفي كل ليلة حليمة وصديقها وشباب القرية يجتمعون في مكان ما يثرثرون بعدها، هذا الصديق كان يستمتع بالليل الصاخب هناك ، النابض بالحياة، كان بالنسبة له عالم مليء بالحكايات الجميلة والقصص الممتعة والمغامرات الغريبة.
أخبرته حليمة أن هذه الأرض تجعل الطرق المختلفة تلتقي مهما حاولت أن تكون منفصلاً، وسكان هذه الأرض ضحكاتهم.. علاقاتهم مليئة بالألوان وسعادتهم ملونة، ألوان الحب يجري هنا بعمق، وكل الألوان غنية بالنكهة، لأن الحب هو أهم شيء في هذه الأرض.


*******


استمتعا هناك أياماً وفي طريق عودتهما إلى المدينة بعد صمت نظر لها قليلاً وقال:
أتعرفين، منذ أن جئت هناك وأنا أعيش فرحاً يحلق بي فوق الغمام...
شكرا للرب الذي أوجد هذه العلاقات...
شكرا لكل الأرواح التي رافقتني هناك ....
وللأرض المليئة بألوان الحب ومنحتني الكثير من البسمات...
ولك... أنتِ يا حليمة، وأحبكِ لأنك رسمتِ إبتسامة على جدار القلب وعمق الروح.











الخميس، 27 نوفمبر 2014

الشمس تغرب لكن غداً تشرق من جديد!!


إنه ذاك الأمل الذي عشنا به في مدينة مقديشو مثلما الشمس تغرب وترى حمرها الداكن لكن تشرق نفسها من جديد غداً.


هذه الكلمات لصديقتي زهراء والتي كانت من المتحدثين أمس في برنامج TEDxMogadishu.
  
هذا البرنامج يهتم بالحديث عن الإيجابية والأمل الذي تعيشه مقديشو الآن بعد سنوات من الحروب والدمار.

عن نفسي عندما أتحدث عن الأمل أراه كثيراً في أيامي القديمة فمثلاً لم أنسي ذاك الليل حين إستيقظتُ من نومي بضجيج رصاص قوية والشيء الوحيد الذي تذكرت أن أفعله عندما هدأت الأمور كان جلوسي خارجاً لأشم الهواء المريح وأتأمل النجوم المضيئة، وفي الصباح باكراً ذهبت إلى السوق ورأيت إمرأة تبيع الخضار جانب الطريق، رفعت رأسها وفي وجهها إبتسامة مشرقة وكأنها تقول الأمر ليس بهذا السوء وليس بهذه الصعوبة، ساستمر رغم كل شيء ورغم كل ما حدث البارحة.

ليست ليلة واحدة بل كان هناك الكثير من الليالي التي كنت أسمع فيها الرصاص وفي الصباح أيضاً كنت أسمع صوت ذاك العجوز بائع الخبز "من يشتري خبزا، فطور جاهز من يشتريه مني" ويتجول في حينا بدون ملل، كان هو يجعل مشهد الشروق جميلاً في عيني ويدفعني لمزيد من الحياة رغم زخات الرصاص في الليالي.

لم أستطع أن أنسي عندما كنت أتجهز لدخول إمتحان التخرج من المدرسة الثانوية وبدأ ذاك اليوم قتال شديد إستمر لعدة أسابيع، هرب الجميع من المدينة وهربت أنا أيضاً وأخذتُ معي كل الكتب، كان الجميع يندهش كل ما يرى ويسألني أنت الآن تنزحين لمكان بعيد فإلى أين ستذهبين مع كتبك؟
لم أكن أبالى وكان همي الوحيد أن أتخرج وأدخل الجامعة، تعودت أن أستيقظ كل الصباحات بأمل جديد بأمنية وحيدة جعلتني أذاكر جيداً كأن كل الأمور كما هي أو كأني أدخل الأمتحان غداً.
إنه ذاك الأمل الذي عشنا به في مدينة مقديشو مثلما الشمس تغرب وترى حمرها الداكن لكن غدا تشرق نفسها من جديد.

قبل سنوات لم يكن الأمر كما الآن فقد تعودنا أن تبدأ المعركة في أية لحظة داخل المدينة بين قبيلتين أو بين جهتين أو لأي سبب كان أو لأتفه الأسباب أيضا، دائما أشكر الله أني أعيش هذه اللحظات الهادئة قليلاً في مقديشو وعندما أسمع إنفجاراً ما أو رصاصة أقول لنفسي قد عشت أكثر من هذا وإنها الحقيقة.

بدأ الناس أن يفهمو معني المرح حيث يمكن أن لا ترى مكاناً لقدميك في شاطئ ليدو يوم الجمعة لكثرة زوارها، قد تستطيع أن تقرأ من وجوههم أنهم الآن إستوعبوا المعني وبدأو أيضا أن يبنوا المدينة ويبنوا فنادق كثيرة.

هذا الصباح مثلاً عندما كنت ذاهبة إلى العمل رأيت إسماً لفندق جديد وقلت بمرح للسائق الآن أصبحت مقديشو كلها فنادق وأجاب بإبتسامة عظيم وهذا أحسن لنا وللمدينة حقا.

أتمني أن يستمر هذا الوضع الأجمل من السابق وأتمني أن لا نعود إلى ذاك الماضي الكئيب الذي كلما تذكرته لا أصدق أنني أنا التي عاشت تلك الأيام.

 إستمتعوا بصور للصديقة زهراء قرني......







الخميس، 6 نوفمبر 2014

طريق اللاعودة



البارحة كان يتأمل النجوم وبعدها سمع  صوت رصاصاتٍ متتالية وأخرى كبيرة، ولفرط ما سمعها كلّ يوم  لا يخفت صوتها أبداً في ذاكرته، تذهب وتأتي مع الهواء الثقيل، يغني ويقول لنفسه بأن الصوت ينعس لكنه لا ينام أبداً.
لعن تلك الرصاصة في سره، كان يدرك تماماً أنهم سيفعلون ذلك كلّ ليلة وأنه ليس بوسعه أن يلعنهم هم، في الحقيقة كان يفكر بأن يدعو لهم بالهداية.
عادت به الذكريات إلى الوراء قبل أن يسقط حكم النظام "سياد بري" بأيدى الثائرين، كان لم يبلغ العاشرة من عمره حين سمع " ارحل يا سياد أيها الذئب ارحل من حمر" وحمر هو الاسم الآخر لمقديشو العاصمة.
الجميع كان يردد "ارحل ارحل "وكأنّ المدينة ستتحول إلى جنة عقب رحيله أو كأن الملائكة ستزورها من السماء، هو أيضاً كان ممتلئًآ بالحكايات التي لم تحدث بعد، تخيلَ كلّ الأشياء الجميلة، المدرسة الجديدة التي سيدخلها، البيت الجديد الذى سيسكنونه بعد انتهاء الثورة، وحتى القطرة الأولى من مطر الصباح والشجر الذى سيكون أمام البيت.
وما الجدوى من ثورة تقودها الحركات المسلحة والتي لم ترسم أي خطة لحكم البلاد بل بدأوا القتال جميعهم ضد جميعهم؟، قتال لم ننتهي منه حتى الآن، وهكذا بدأنا المشي في طريق اللاعودة وبعدها تعالت أجراس الندم  من الجميع.
وهو من بعدها لم تبدّد عتمة روحه أنوار المصباح الذى يكون بجانبه كلّ ليلة، ولا حتى ضياء البدر الذى يأتي من السماوات. من بعدها لم يستطع أن يلاحق أحلامه، ومن بعدها لم يحب البدايات المعلقة التي لا تنتهي أبداً والتي تكون بداياتٍ يلهث الجميع وراءها وفي الواقع لن تكون سوى بداية خيبة كبرى للوطن، بدايات جنون وبدايات أشياء لم يتوقّع أنها يوماً ستبدأ.
كان حلمه أن يكون صحفياً لكن ليس صعباً أن تصبح ذلك بل الأصعب أن تحمل هذا الاسم لوقت طويل، والذي تأتيه رسائل ومكالمات تهديد بقتله كلّ يوم، هناك من تعوّد قتل الصحفيين وليس من البعيد أن يجيء دوره إذاً.

يموت مرات قبل أن يموت في النهاية، وكلما خرج يمشي بحذر وسط الناس، عاد من طريقٍ غير الذي ذهب منه. يشيح بعينيه عن كلّ هذا التعب الذي يجلده، يركض في الطّريق الطّويل ويتوقف كلّ ساعة وينظر حواليه، هذه المدينة تغتال جزءًا منه كلّ يوم وهو لا يملك سوى الابتسام، يوقد الروح بالحكايا وضحك صديقه الذي يحمل معه اسم الصحفيّ.
ذات يوم كانا يمشيان معاً ويتحدثان لكن رائحة الموت قريبة منهما، فجأة رأى جسد صديقه يرتطم بالأرض وسمع بعدها شهقة موته، إذ أصابه أحدهم برصاصتين في رأسه.
من يدري ربما كان يريد أن تصيبه إحدى الرصاصات إلا أنه نجا، وما زالت كوابيس تلك الحادثة تراوده إذ ليس من السهل أن يمحو من قلبه من تعود وجوده في كلّ الأشياء حوله وينسى الألم العميق ذلك أنه لن يراه بعد الآن.

في وطنه ذاك، عرف أن الوطن ليس أرضاً وسماءً فقط  بل هو شيءٌ آخر جميل، هو أن يعيش باستقرار وحريّة وحب وكرامة تحت سمائه، هو أن لا يموت مراتٍ من الخوف قبل أن يقتلوه ظلماً فيه.